نزار فارس - الفرصةالمُغيِّرة
ولدت في عائلة لبنانيّة عُرفت بتذوّقها الفن والموسيقى. تزامن تاريخ ولادتي مع اندلاع الأحداث الدامية في لبنان سنة 1975. ما كدت أصل إلى عمر السنتين وستّة أشهر، حتى توفي والدي، ممّا اضطر والدتي إلى القيام بالمسؤوليّة التربويّة والمعيشيّة لإعالتنا أنا وأختي، فلجأت إلى العمل. لذلك استحسنَت إلحاقنا بمدرسة خاصة تابعة لراهبات المحبّة، حيث أمضيت ثمانية أعوام في "النظام الداخلي". نشأت في مناخ التربية المسيحيّة وكنت أقرأ وأحفظ العديد من آيات الكتاب المقدَّس، لكن رافقتني بصورة دائمة فكرة أنَّ يسوع يقتصُّ من الولد الذي يرتكب خطأً، "إذا فعلت هذا أو ذاك، يأتي يسوع في الليل ويخنقك." ظهرت موهبتي الموسيقيّة خلال طفولتي، فكان أوّل أداء غنائيّ لي في الثالثة من عمري. التحقت والتزمت في عدة جوقات، إن في الدير حيث كنت أتعلَّم أو في أماكن أخرى.سنة 1988 اندلعت الحرب من جديد، فالتحقت بأصدقائي في جوقة «مستشفى الجعيتاوي» كونها الأقرب إلى للمنزل. بدأت أختبر فعلياً من خلال هذه الجوقة حقائق عن يسوع كانت غريبة عنّي وخصوصًا فيما يتعلَّق بمحبّة الله لنا. وكانت الراهبة المسؤولة تحضنا على الإهتمام بالروح إلى جانب الجسد والنفس، وذلك من خلال القراءة اليوميّة لكلمة الله في الكتباب المقدّس ومن خلال الصلاة والشركة الدائمة مع الله، بدأت في الجوقة «مرنّماً منفرداً»، ثمّ أوْكِلـَت إليّ مهمّة «أمانة الصندوق». وفي سنة 1994،انتـُخِبْت مديرًا للجوقة حيث بقيت في هذه المسؤوليّة مدة ثماني سنوات. عام 1998تخرَّجت مهندسًا زراعيًّا في جامعة الروح القدس، الكسليك، بعد عامين من البدء بدراسة الغناء الشرقي في كليّة الموسيقى التابعة للجامعة عينها، حيث شجّعني الأصدقاء للاشتراك في برنامج "ستوديو الفن 96". تخرَّجت من البرنامج حاملاً ميدالية ذهبيّة عام 1997. هنا بدأت "رحلتي" كمطرب، إذ مارست الغناء كمهنة مدّة أربع سنوات، إلى جانب دراساتي الهندسيّة، والموسيقيّة، والغنائيّة. وكنت أرهق نفسي أيامًا وليالي كي أحقـّق ذاتي وأرضي "الأنا" التي فيّ! ...وما كان عليّ إلا التحلّي بالإيمان والصبر، خصوصاً وأنني كنت أواجه خطر الموت كلّ يوم، وفي نفس الوقت لا أعلم ماهي أسباب حجزي، ولا مايخبّئه لي المستقبل. كان الكتاب المقدس...في شهر تمّوز من عام 1999، دُعيت لمدّة عشرة أيّام لإحياء حفلتين في أحد البلدان العربيّة، ولدى وصولي فوجئت بأنّي سأقيم هاتين الحفلتين لرئيس البلد! ولكن حُتـِمَ عليَّ أن أقضي ثلاثين يومًا أشبه بإقامة جبريّة في غرفة الفندق. وما كان عليّ سوى التحلـّي بالإيمان والصبر. كان الكتاب المقدّس خلالها الزاد والرفيق في وحدتي. استطعت بمؤازرة الرب، أن أحافظ على رباطة جأشي طيلة هذا الشهر... إلى أن لاح الأمل في أوائل شهر آب وعدت إلى لبنان بشبه معجزة وفي ظروف مفاجئة. لدى وصولي إلى الوطن، عانيت انهيار عصبي مدة شهر كامل، فإذا بالإنجيل يعضدني وكلام الرب يريحني.
تابعت تمسّكي بقراءة الكتاب المقدّس، رغم تعبي النفسي.خصوصًا وأنني علمت بأنّ أسباب حجزي في تلك البلد كانت للإستلاء على مكافئة مالية كان الرئيس قد خصصها لي. في إحدى ليالي شهر أيلول وخلال قراءتي في الكتاب من إنجيل متـّى 6: 30-26، "تأمّلوا طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في مخازن، وأبوكم السماوي يعولها. أفلستم أنتم أفضل منها كثيرًا؟ فمَن منكم إذا حمل الهموم يقدر أن يطيل عمره ولو ساعة واحدة؟ ولماذا تحملون همَّ الكساء؟ تأمّلوا زنابق الحقل كيف تنمو: إنها لا تتعب ولا تغزل؛ ولكني أقول لكم: حتى سليمان في قمّة مجده لم يكتسِ ما يعادل واحدة منها بهاء! فإن كان الله هكذا يكسو الأعشاب البرية مع أنها توجد اليوم وتطرح غدًا في النار، أفلستم أنتم، يا قليلي الإيمان، أحرى جدًا بأن يكسوكم؟" تأمّلت في هذه الكلمات علمًا أنني كنت قد قرأتها مرات عديدة ولكن وقعها في قلبي هذه المرة كان مختلفًا عن المرات السابقة، لذا صلّيت: "يا ربّ، أنت قد صوّرتني في الحشا، وعرفتني قبل أن أعرف نفسي، وأعطيتني الكثير من المواهب التي هي أصلاً منك... أنت تعرف كلّ حاجاتي وطموحاتي، وأنا قد تعبت من مواجهة الاحتيال وعدم أمانة الناس وخاصّة ممن هم في الوسط الفنّي... لذلك لن أجتهد بعد اليوم في أموري. إذا كنت تستطيع إطعام الطيور وإلباس الزنابق، وأنا أفضل منها بكثير، فأنت تعرف ما هو الأفضل لي. أسلِّمك نفسي من هذه اللحظة وأعلنك سيّدًا على
حياتي، فافعل بي ما تشاء فأنا رهن إرادتك في حياتي." تلك الليلة غفوت وأنا أمسح دموعي. في اليوم التالي، استيقظت من نومي وكأنني ولدت من جديد، زال عني كلّ أثر للتعب النفسي شعرت بسلام وتسامح لم أشعر بهما من قبل!
وبعد أسبوع سجّلت مع جماعة "يسوع فرحي" (Jesus Ma Joie)، ثلاث ترانيم "أدعوك أبّا"، "عيناك تنظر إليّ"، و"نشيد المخلوقات". لاقت هذه الترانيم رواجًا كبيرًا بين الشباب المسيحي. وبعد مدّة شهر تقريبًا، التزمت بجوقة "الأچاپي" (Agapee)، هذا فضلاً عن الجوقات الأخرى كجوقة الكسليك في الجامعة وجوقة "مستشفى الجعيتاوي". بعد أشهر معدودة، تخلّيت عن عملي كمُغنٍّ، وعملت في الهندسة الزراعيّة مدّة سنة، إلى أن عدت فاتّجهت للتعليم الموسيقي وإكمال دراساتي الموسيقيّة العليا. اليوم وبعد خمس عشرة سنة من التكريس للعمل في حقل الرب، لقد باركني في خدمته من خلال الصوت والترنيم والإنشاد والتعليم الموسيقي وإدارة الجوقات في كل الخس قارات. أشكر اللّه على نعمته إذ دعاني لأتبارك وأبارك من حولي من خلالِ مئات أمسيات الترتيل والصلاة، من خلال ألبومات الترانيم (١٥عمل)، والتي تطال كل الأعمار وعدّة خلفيات عرقيّة وثقافيّة، وأعمال أخرى مصوّرة. بعد سنوات من تسليم حياتي للرب، أعترف بأنّ الله هو مصدر كلّ عطيّة. فبدلاً من بناء "الأنا" التي فيّ، وضعت نفسي كجبلة طين طيّعة بين يديه كي يشكـّلني هو كما يريد، لمجد اسمه القدّوس، وليتمجّد فيّ. كان الرب وما زال معي ينقذني دائمًا ويحميني. لقد اختبرت محبّته التي تفوق محبّة أيّ إنسان وأيقنت أنه لا يمكن الحصول على الخلاص إلا بواسطة الإيمان به والعمل بكلامه.