قصص حقيقيّة


ريكاردو ضو – من الفراغ إلى الشبع

كل ما أستطيع أن أتذكَّره حين أفكِّر في طفولتي، هو الوحدة التي كنت أشعر بها. فأذكر مثلاً أنه لم يكن لديّ أصدقاء في المدرسة أزعجني هذا الأمر إذ تساءلت: لمَ أنا وحيد؟ لِمَ لا يحب أحد أن يتحدَّث إليّ أو يتقرَّب مني؟ وصلَّيت طالبًا من يسوع أن يرسل إليّ أصدقاء. حين بلغت الرابعة عشرة، سافرت إلى كندا، وهناك تعرّفت بأصدقاء كثيرين. ظننت أن ما سعيت لأجله ونلته قد يؤتيني فرحًا وكفاية كبيرين. وهكذا صار أصدقائي ينتظرونني لأضحكهم، فصرت سلوى الجميع. كانت تلك أيامًا جميلة على ما يبدو، ولكن كنت أُفرِّح الناس الذين من حولي بينما أنا حزين ما يزال الشعور بالوحدة يلازمني ويقضُّ مضجعي. في سن السادسة عشرة، وبالرغم من أنه كانت لديّ الحرية لأفعل ما يحلو لي، فكَّرت بالانتحار. سجنت نفسي في غرفتي مدة 24 ساعة، وكان أهلي قلقين عليّ كثيرًا. ولكن إذ كنت قد تربّيت في كنيسة، كنت أدرك تمامًا أنَّ الله يكره الانتحار، فخشيت وامتنعت عن القيام بهذا الأمر. حين رجعت إلى لبنان، فُتح لي باب للغناء، الأمر الذي أحببته كثيرًا. فاشتركت في برنامج للهواة، حيث وصلت إلى التصفيات نصف النهائية، ولكنني لم أفز بالوصول إلى النهائيات. هذا البرنامج فتح الطريق لأتعرّف بالهواة الذين ربحوا، وانتقتني شركة بيبسي كي أذهب إلى الجزائر. في كلّ تلك الفترة، كنت أحيا على هواي وبحرية مطلقة. لم أؤذ الآخرين، ولكن كنت أسيء إلى نفسي، إذ كان الوسط الفنّي فاسدًا. وهناك في الجزائر، شعرت أنّني أملك كلّ شيء. غنَّيت في ملاعب وسط حشود كبيرة بمرافقة أربعة حراس. نشوة النجاح تلك جعلتني أقول لنفسي: "إنّ الله لا يهمّني."
فسعيت إلى النجاح على صعيد أكبر لأغب من بئره علّني أرتوي فأتخلَّص من الفراغ الذي ما برح يسيطر عليّ. وكان أنه كلّما ازداد الناس من حولي، ازداد شعورٌ قاتل بالوحدة. اعتقدت أنّ هذه هي الحياة. فحتى لو صرت فنانًا مشهورًا، وأصدرت أغانيَّ الخاصة، وامتلكت أثمن الأشياء، لا بدَّ من هذا الشعور الطبيعي الذي يُعانيه الجميع. في إحدى الليالي، إذ أخذ مني الفراغ والضياع كلّ مأخذ، جلست وحيدًا في غرفتي ورحت أبكي. وفيما الدموع تنزل على وجنتي علَّها تغسل آلامي وتعبي، تذكَّرت آية لطالما سمعتها في الكنيسة: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." للحال كون التعب والأثقال قد أضنياني، لم أتباطأ عن الصلاة طالبًا من الرب: "أريد أن أومن بك، إذ إنّ الحياة فارغة، ولكنني لا أستطيع إن لم أشعر بوجودك. لا أريد أن أتبع ما قد تعلّمته عنك من الآخرين فقط، بل أريد أن أشعر بأنك موجود في حياتي وكياني." عدت إلى بيروت وإلى حياتي الصاخبة، ولكن بين الحين والآخر كنت أصلّي طالبًا القرب من الرب، والعيش في طريقه، ملتمسًا السلام الذي كنت أسمع عنه. أما الرب فقد دبّر أشخاصًا حدَّثوني عنه وعن سلامه العجيب. في يوم من الأيام فيما كنت أقوم بإخراج أحد البرامج، التقيت شابًا بدا لي أنه يهوى الحياة ويعيشها كسائر أترابه. أخبرني هذا الشخص عن الرب يسوع والسلام العجيب الذي يمنحه لكل من يتوب ويرجع إليه. تأثرت كثيرًا بكلامه وفي الوقت عينه صُدمت، فلطالما اعتقدت أنّ الكبار في السن وحدهم يمكن أن تكون لهم علاقة بيسوع. أما أن يخبرني شابٌ عن علاقته بالمسيح والحياة الرائعة التي يعيشها بمعيَّته فكان أمرًا بمنتهى الغرابة بالنسبة إليّ. بعد أسبوع دُعيت إلى مخيّم روحي حيث سمعت المتكلِّم يلقي الدعوة: "من أراد أن يُسلِّم حياته ليسوع فليتقدَّم إلى الأمام، أو يرفع يده، أو بكلّ بساطة ليطلب من الرب في قلبه أن يدخل حياته."
وهكذا خلال الأيَّام الأربعة التي دام بها المخيّم، كنت أترك الجميع وأتقدّم إلى الأمام من دون خجل كلما وُجِّهت الدعوة. كانت صلاتي ممزوجة بالدموع وعبارة عن صرخات من القلب: "يا رب لن أترك هذا المخيّم من دون أن تخلّصني، لن أتركك من دون أن أشعر بتلك الراحة التي يتحدّث عنها الجميع هنا، تلك الراحة التي تستطيع أنت وحدك أن تهبها لي." بعد أربعة أيام، شعرت براحة لا توصف. لم أشعر أني قد غدوت إنسانًا كاملاً، ولكنني تيقَّنت أنني من الآن فصاعدًا صرت تحت جناحي المسيح، فرحًا، مغسولاً بدمه من الخطايا. ومن دون يسوع لا أريد الحياة. لقد تغيَّرت حياتي بعد التوبة بالكامل. فبدلاً من توجُّهي إلى مصير أجهله، صرت متأكِّدًا من أنَّ يسوع خلَّصني ووهبني الحياة الأبديَّة بواسطة عمله الكفاري على الصليب. أنا أتكلَّم كلّ يوم مع الله كأبي السماوي بفضل علاقة تجمعني بيسوع فاديَّ. ثمَّة خطوة واحدة على الإنسان أن يقوم بها وهذا ما فعلته: طلبت أن أشعر به وأن يكون هو سلامي وفرحي وحياتي. والآن بعد أربع عشرة سنة، ما زلت أعشق يسوع المسيح، ولا "أتركه". فأنا لا أريد أن أحيا من دونه، إذ قد تغيّرت حياتي بالكامل. أشجعك يا من جرّبتَ كلّ أمور هذا العالم وما تزال تشعر بالفراغ، أن تطلب خلاص المسيح الآن. ولا تُفكِّر أنك عاجز عن ترك الأشياء التي تعيقك، بل أقبِل إليه بأتعابك ومشاكلك، بأوساخك، وهو قادر أن يُطهِّرك بدمه ويهبك قوة للتغيير.

لقراءة المزيد اطلب الكتاب وال DVD المجّاني



هل تحتاج القوة المغيرة في حياتك؟