قصص حقيقيّة


جنان مطر – لا للانتقام... نعم للغفران


ولدت في عائلة مؤمنة، وكان والداي يحبّان أحدهما الآخر، ولكن لم تطل سعادتنا كعائلة كثيرًا إذ توفّيت والدتي في عمر مبكِّر. حين بلغتُ الخامسة عشرة قُتل والدي. كانت الحرب في تلك الفترة تضرب البَلَد. فلم يكن ممكنًا أن تقوم العدالة بملاحقة قاتل والدي ولا حتى بسجنه. فبتنا أنا وإخوتي من دون أم ولا أب. لا يمكنني أن أصف تلك الأيام الصعبة التي واجهتني، إذ كنت البكر بين إخوتي وبالتالي مسؤولة عنهم، وأنا ما أزال شابة صغيرة لا أعرف كيف أتصرّف.
سيطر عليّ الغضب والنقمة، ليس على القاتل وحده، إذ كنت أعرف هويَّته، بل على الله الذي رفضته معاتِبة إيّاه لأنه سمح بأن نُترك وحيدين، نتألَّم ونُظلم وليس من يُدافع عنّا. ظننتُ أنّ الله يأمر بأن تحدث أشياء سيّئة للناس. وهكذا نشأت مع فكرة أنني الآن عاجزة بسبب صغر سني، ولكن حين أكبر سأنتقم من الذين قتلوا والدي. سيطر عليَّ شعور الغضب والضغينة وعشت القهر والحزن، فشكَّلت هذه المشاعر حاجزًا بيني وبين الآخرين. لم يَطُلِ الزَّمَن حتى تعرَّفت بيسوع المسيح، الذي غفر لقاتليه مكمِّلاً بذلك غفرانه لي في عمله الكفاري على الصليب. إذ ذاك سلَّمته حياتي وعواطفي ومشاعري مختبرة محبّته لي ودعمه وشفاءه لمشاعري الجريحة وقلبي المتشنِّج. كان اختباري له رائعًا. وفعلاً بدأتُ حياةً جديدة شعرت خلالها أنَّ الرب يطلب منّي تدريجيًا أن أغفر وأسامح وأنزع الحقد والضغينة التي أضمرها في قلبي الكسير. وجدت الأمر في البداية صعبًا إذ خاطبته بصلاتي مرارًا قائلةً: " يا رب، لا أقوى على ذلك." فأجابني من خلال آية في الإنجيل تقول: "وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا زَلاَّتِكُمْ." نعم، كان الأمر صعبًا، ولكن إطاعةً لصوت الرب وكلمته الحيَّة، قبلت المسامحة، فتغيّرت حينئذٍ صلاتي لتكون: "يا رب، أريد ذلك، ولكنني لا أستطيع! أرجوك أن تضع غفرانك في داخلي... فأنا عاجزة عن
ذلك بمفردي." هكذا بدأ المسيح يعلّمني عن النعمة، وأنني ما عدت تحت نير الناموس القائل "العين بالعين، والسن بالسن." فإذا كان دَيْني أنا قد سُدَّ مجانًا بواسطة موته لأجلي وقيامته لتبريري. وإن كنت قد نلت المسامحة من لدنه، فعليّ أنا أيضًا أن أغفر من دون مقابل. لم يكن هذا الدرس سهلاً، بل تطلَّب مجهودًا، كما استغرق فترة طويلة. وحين شعرت في قرارة نفسي أني بتُّ مستعدّة لتطبيقه في حياتي سألت الرب علامة كي أتأكَّد أنَّ غفراني ومسامحتي ليسا نتاج مشاعري المتقلِّبة ومزاجيَّتي، بل هما بفعل عمل المسيح في حياتي. لم يمر وقت طويل حتى اتَّصل بي ابن قاتل والدي. دعوته لزيارتي وقضينا وقتًا معًا نتبادل الأحاديث، فكان هذا اللقاء تأكيدًا أنَّ الحقد تجاه هذه العائلة قد زال من قلبي، وزال معه الشعور بالاضطراب والرغبة بالانتقام اللذان طالما لاحقاني وأسراني وكبَّلاني لسنين طويلة. تغيّر حالي تمامًا، إذ حلَّ السلام في حياتي وقلبي بدل الاضطراب، والمسامحة بدل الضغينة، والغفران بدل الحقد. هذا كلّه كان بفضل الرب الذي قوّاني ومنحني بركته والشركة الطيبة معه. حقًّا، إنه وحده من يؤتي قوَّة التغيير.

لقراءة المزيد اطلب الكتاب وال DVD المجّاني



هل تحتاج القوة المغيرة في حياتك؟